Rabu, 03 Agustus 2011

تفسير آيات الصيام


تفسير آيات الصيام
سورة البقرة اية 183- 185
مأخوذ من تفسير المنير لوهبه الزحيلي

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

فرضية الصيام
[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

الإعراب:
كَما كُتِبَ الكاف في موضع نصب، إما لأنّها صفة لمصدر محذوف، وتقديره: (كتب عليكم الصيام كتابة كما كتب) وما: مصدرية، أي مثل كتابته، وإما لأنّها حال من الصيام، وتقديره: (كتب عليكم الصيام مشبّها كما كتب على الذين من قبلكم) .
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ منصوب بتقدير فعل، وتقديره: صوموا أياما معدودات، فحذف صوموا لدلالة كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ عليه. ولا يجوز نصبه بالصيام، لوجود فاصل أجنبي بينه وبين صلته وهو كَما كُتِبَ.
وَأَنْ تَصُومُوا مبتدأ، وخبره: خَيْرٌ لَكُمْ.

فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مبتدأ مرفوع، وخبره مقدر، وتقديره: فعليه عدة من أيام أخر.
ومِنْ أَيَّامٍ صفة مرفوعة لكلمة عدة وأُخَرَ جمع أخرى، وهو فعلى التي هي للتفضيل وهي صفة أيام، وممنوعة من الصرف للوصف والعدل عن آخر.

فِدْيَةٌ مبتدأ، وخبره: وعلى الذين يطيقونه، مقدم عليه. طَعامُ مِسْكِينٍ بدل من فدية. ولم يجمع مِسْكِينٍ لأن الواجب في ابتداء الإسلام كان إطعام مسكين، ثم نسخ ذلك بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ والطعام بمعنى الإطعام، كالعطاء بمعنى الإعطاء. شَهْرُ رَمَضانَ مبتدأ، وخبره: الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ. وهُدىً حال من القرآن، أي هاديا للناس. وبَيِّناتٍ عطف عليه.
الشَّهْرَ منصوب على الظرفية، وتقديره: «فمن شهد منكم الشهر في المصر» لأن المسافر قد شهد الشهر ولا يجب عليه الصوم فيه. وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ معطوف على محذوف، تقديره: ليسهل عليكم ولتكملوا العدة.

البلاغة:
كَما كُتِبَ تشبيه يسمى «مرسلا مجملا» والتشبيه في الفرضية لا في الكيفية.
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ مجاز بالحذف تقديره: من كان مريضا فأفطر، أو على سفر فأفطر.
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ قال بعضهم: إن الآية على إضمار حرف النفي، أي لا يطيقونه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه. ولا داعي لذلك، لأن الطاقة تعني تحمل الشيء بمشقة وشدة، والمعنى: يتحملونه بجهد شديد.
الْيُسْرَ ... والْعُسْرَ فيه طباق السلب.

المفردات اللغوية:
كُتِبَ فرض. الصِّيامُ في اللغة: الإمساك والكف عن الشيء والترك له، وفي الشرع: هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع من الفجر إلى غروب الشمس، بنيّة من أهله، احتسابا لوجه اللّه، وإعدادا للنفس لتقوى اللّه. كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أي في الفرضية ووجوب الصوم، وقيل: مقداره، وقيل: كيفيته من الكف عن الأكل والشرب، والرأي الأول أرجح، إذ يكفي في فهم الآية أن يكون اللّه كتب صوما ما على الذين من قبلنا، وهذا مسلّم به عند أهل الأديان، فمن المعروف أن الصوم مشروع في جميع الملل، حتى الوثنية، فهو معروف عند قدماء المصريين واليونان والرومان والهنود. وفي التوراة الحالية مدح الصيام والصائمين، وثبت أن موسى عليه السلام صام أربعين يوما، واليهود في هذه الأزمنة يصومون أسبوعا تذكارا لخراب أورشليم وأخذها، ويصومون يوما من شهر آب. وكذلك الأناجيل الحالية تمدح الصيام وتعتبره عبادة كالنّهي عن الرّياء وإظهار الكآبة فيه، وأشهر صوم النصارى وأقدمه الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح، وهو الذي صامه موسى وعيسى والحواريون، ثم وضع رؤساء الكنيسة أنواعا أخرى من الصيام.

تَتَّقُونَ المعاصي، فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدأ المعصية، ويورث التقوى، ويقمع الهوى، ويردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهوّن لذات الدنيا. أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ إن كل ما فرض صومه هنا هو رمضان، فيكون قوله: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ عنى به رمضان، وهو قول ابن أبي ليلى وجمهور المفسرين. ووصفها بقوله مَعْدُوداتٍ تسهيلا على المكلف بأن هذه الأيام معدودة.
يُطِيقُونَهُ أي يتحملونه بمشقة شديدة وجهد كبير، ويؤيده قراءة: «يطوقونه» مثل الكبير الهرم والحامل والمرضع والمريض مرضا لا يرجى برؤه. فِدْيَةٌ الفدية: هي إطعام مسكين عن كل يوم، من أوسط ما يطعم أهله في يومه، أكلة واحدة، وهو مدّ من غالب قوت البلد، وهو يساوي (675 غ) .
فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً بالزيادة على القدر المذكور في الفدية. فَهُوَ أي: التطوع خير له. والصوم خير من الإفطار والفدية. إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنه خير لكم، فافعلوه في تلك الأيام.

أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر.
هُدىً هاديا من الضلالة. وَبَيِّناتٍ آيات واضحات. مِنَ الْهُدى مما يهدي إلى الحق من الأحكام، ومن الْفُرْقانِ مما يفرق بين الحق والباطل.
فَمَنْ شَهِدَ حضر بأن كان مقيما غير مسافر. الْيُسْرَ السهولة والتخفيف بإباحة الفطر في المرض والسفر، والمريض وكذا المسافر يختار الأيسر عليه، ويكون هو الأفضل في حقه. وآية يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ .. تعليل لما قبله، أي يريد فيما شرعه من هذه الرخصة في الصيام، وسائر ما يشرعه لكم من الأحكام، أن يكون دينكم يسرا تاما لا عسر فيه. وفي هذا ترغيب في الرخصة.
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ اللام للتعليل، وهي معطوفة على التعليل المستفاد من قوله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ كأنه قال: رخص لكم في حالي المرض والسفر، لأنه يريد بكم اليسر، وأن تكملوا العدة، فمن لم يكملها أداء، لعذر المرض أو السفر، أكملها قضاء بعده، فاللّه شرع لكم القضاء حال الفطر والسفر. وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عند إكمال العدة. عَلى ما هَداكُمْ إليه من الأحكام النافعة لكم، بأن تذكروا عظمته وكبرياءه وحكمته في إصلاح عباده، وأنه يربيهم بما يشاء من الأحكام، ويؤدبهم بما يختار من التكاليف.
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللّه على هذه النعم كلها، وإعطاء كل من العزيمة والرخصة حقها.

سبب نزول الآية (184) :
أخرج ابن سعد في طبقاته عن مجاهد قال: هذه الآية نزلت في مولاي قيس بن السائب: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فأفطر، وأطعم لكل يوم مسكينا.

التفسير والبيان:
تستمر الآيات بعد بيان القصاص والوصية في سرد الأحكام الشرعية، فلا حاجة لمعرفة المناسبة بين كل حكم وما يليه.
فاللّه فرض عليكم الصيام، كما فرض على المؤمنين أتباع الملل الأخرى من لدن آدم عليه السّلام، وناداهم بوصف الإيمان المقتضي للامتثال، وأبان أن الصوم فرض على جميع الناس، ترغيبا فيه، وتوضيحا أن الأمور الشاقة إذا عمّت، سهل تحملّها، وشعر المؤدون لها بالراحة والطمأنينة، لقيامها على الحق والعدل والمساواة.
ثم إن الصوم مطهرة للنفس، ومرضاة للرّب، ويعدّ النفوس لتقوى اللّه في السرّ والعلن، ويربي الإرادة، ويعلم الصبر وتحمل المشاق وضبط النفس عند المكاره، وترك الشهوات، لذا
قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «الصوم نصف الصبر» .
وإعداد الصوم للتقوى يحدث من نواح مختلفة أهمها ما يأتي:

1- يربي في النفس الخشية من اللّه تعالى في السرّ والعلن: إذ لا رقيب على الصائم إلا ربه، فإذا شعر بالجوع أو بالعطش الشديد، وشمّ رائحة الطعام الشهي، أو ترقرق في ناظريه برودة الماء وعذوبته، وأحجم عن تناول المفطر، بدافع إيمانه، وخشية ربّه، حقق معنى الخوف من اللّه، وإذا ازينت الشهوات له، وترفع عنها، خوفا من انتهاك حرمة الصوم، فقد استحيا من اللّه، وراقب ربّه. وإذا استبدت الأهواء بالنفس، كان سريع التذكر، قريب الرجوع بالتوبة الصحيحة، كما قال اللّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ، تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف 7/ 201] .
ومن أعظم فوائد الصوم الروحية: أن الصائم يحتسب الأجر والثواب عند اللّه ويصوم لوجه اللّه وحده.
2- يكسر حدّة الشهوة، ويخفف من تأثيرها وسلطانها، فيعود إلى الاعتدال وهدوء المزاج، كما
قال صلّى اللّه عليه وسلّم واصفا الصوم لمن يتعذر عليه الزواج- فيما رواه الجماعة عن ابن مسعود-: «.. ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» ،
أي بمثابة الخصاء مضعف للشهوة. و
قال أيضا- فيما رواه النسائي عن معاذ-: «الصوم جنّة»
أي وقاية من المعاصي.
3- يستدعي الإحساس المرهف والشفقة والرحمة التي تدعوه إلى البذل والعطاء، فهو عند ما يجوع يتذكر من لا يجد قوتا من البائسين، فيحمله الصيام على مواساتهم، وهذا من أوصاف المؤمنين التي ذكرها اللّه: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الفتح 48/ 29] .
4- فيه تحقيق معنى المساواة بين الأغنياء والفقراء، والأشراف والعامة، في أداء فريضة واحدة، وهذا من فوائد الصيام الاجتماعية، كالحالة السابقة.
5- يعوّد على النظام في المعيشة، وضبط الإرادة فيما بين فترتي السحور والإفطار في وقت واحد، ويحقق الوفر والاقتصاد إذا التزمت آداب الصيام.

- يجدد البنية، ويقوي الصحة، ويخلص الجسد من الرواسب والتخمرات الضارة، ويريح الأعضاء، ويقوي الذاكرة إذا حزم الإنسان أمره، وتفرغ لعمله الذهني دون أن يشغل نفسه بتذكر المتع الجسدية، ويجمع ذلك كله
قول النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما رواه أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة-: «صوموا تصحوا» .
وهذا يكون بعد الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى عادة، بعد أن يتعود الإنسان على الصوم، ويستعلي على حالات الاسترخاء في الفترة الأولى من بدء الصيام.

وكل هذه الفوائد الجسدية والروحية والصحية والاجتماعية مشروطة بالاعتدال في تناول وجبات الإفطار والسحور، وإلا أصبح الحال عكسيا، وانقلب الأمر وبالا وعناء وضررا إذا أتخم الإنسان معدته، ولم يعتدل في طعامه وشرابه.
وكذلك يشترط في الصوم لتحقيق تلك الغايات عفة اللسان وغضّ البصر والامتناع عن الغيبة والنميمة واللهو الحرام، كما
قال عليه الصلاة والسلام عن اللّه تعالى: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي»
أي من أجل اللّه. وربّ صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش. فالإمساك عن المفطرات المعنوية مثل الإمساك عن المفطرات المادية الحسية، سواء بسواء.
والصوم محدود في أيام معدودات معينة قليلة وهي شهر في العام كله، ويمر عادة بنحو سريع، لأن أيام رمضان مباركة تفيض بالخير والإحسان، فهو كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما رواه ابن خزيمة عن سلمان-: «أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار»
، و قال أيضا- فيما رواه الطبراني عن ابن مسعود-: «رمضان سيّد الشهور» ، «لو علمت أمتي ما في رمضان من الخير، لتمنت أن يكون السنة كلها» رواه الطبراني وغيره عن أبي مسعود الغفاري.
فالمراد من الأيام المعدودات في رأي أكثر المحققين (ابن عباس والحسين وأبي مسلم) : شهر رمضان.
وليس الصوم واجبا إلا على المستطيع الصحيح المقيم، أما المسافر والمريض مرضا شديدا يشق معه الصوم، فيباح لهما الإفطار، وعليهما القضاء في أيام أخر من العام، لأن المرض والسفر الطويل وهو الذي يباح فيه قصر الصلاة (وهو 89 كم) مشقة، والمشقة تجلب التيسير، كما قال اللّه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة 2/ 185] .
والمعتبر: السفر بسير الدواب المعتادة في الماضي، لا بوسائط النقل والمواصلات السريعة اليوم، وقدره بعضهم بثلاثة أميال عملا بما
روى أحمد ومسلم وأبو داود عن أنس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ  ، صلى ركعتين»

- يريد أنه يقصر الصلاة، فالعبرة بقطع مثل هذه المسافة، لا بالزمن الذي تقطع فيه. وقدر الحنفية المسافة بثلاثة أيام، وقدرها الجمهور بيومين معتدلين، وهي ذهابا ستة عشر فرسخا أو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية، وهي تساوي حوالي 89 كم، عملا بما رواه الشافعي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال: «يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان» والبريد: أربعة فراسخ.
وأكثر الأئمة (مالك وأبي حنيفة والشافعي) على أن الصوم للمسافر أفضل إن لم يشق عليه. ويرى أحمد والأوزاعي أن الفطر أفضل عملا بالرخصة. ويشترط لجواز إفطار المسافر عند بدء السفر: أن يكون السفر في رأي الجمهور (غير الحنابلة) قبل الفجر، فلو أصبح المقيم صائما، فسافر، فلا يفطر، تغليبا لجانب الحضر، لأنه الأصل. ولم يشترط الحنابلة هذا الشرط، لكن الأفضل الصيام، خروجا من الخلاف.

والذي يتحمل الصوم بمشقة شديدة كالشيخ الهرم والمريض مرضا مزمنا، والحامل والمرضع إن خافتا على أولادهما فقط، عليه عند الشافعي وأحمد القضاء والفدية: وهي طعام مسكين. فإن خافتا على أنفسهما ولو مع أولادهما، فعليهما القضاء فقط.
فمن تطوع وزاد في الفدية عن طعام مسكين لليوم الواحد، فهو خير له وأكثر ثوابا. والتطوع: بأن يطعم أكثر من مسكين في اليوم، أو يطعم أكثر من القدر الواجب، أو يصوم مع الفدية.
وصوم هؤلاء المعذورين خير لهم إن كانوا يعلمون وجه الخيرية فيه وكونه لمصلحة المكلفين، إذا لم يتضرروا، لما روي أن أبا أمامة قال للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم: مرني بأمر آخذه عنك، قال: «عليك بالصوم، فإنه لا مثل له» .
ثم بيّن الحق تعالى أن هذه الأيام القليلة هي شهر رمضان المبارك الذي بدئ فيه بإنزال القرآن واستمر نزوله منجّما (مقسطا) في ثلاث وعشرين سنة، الذي هو هداية للناس إلى الصراط المستقيم، مع وضوح آياته دون غموض، وكونها فارقة بين الحق والباطل. وفسّر بعضهم نزول القرآن في شهر رمضان: بنزوله ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وليلة القدر في رمضان هي خير من ألف شهر.

والحكمة في إيراد وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ بعد قوله هُدىً لِلنَّاسِ: هي الدلالة على أن الهدى نوعان: هدى بيّن واضح تفهمه العقول العادية لأول وهلة، وهدى لا يدركه إلا خواص الناس، والأول أكثر فائدة.
فمن شهد أو حضر منكم الشهر، وهو سليم معافى، لا عذر له من سفر أو مرض، فيجب عليه الصيام، لأنه أحد أركان الإسلام الخمسة. ومن لم يشهد الشهر، كسكان البلاد القطبية- التي يتساوى فيها الليل والنهار كل نصف عام، أي يكون الليل فيها نصف سنة في القطب الشمالي، بينما يكون نهارا في القطب الجنوبي، فعليهم أن يقدروا مدة تساوي شهر رمضان بحسب أقرب البلاد المعتدلة إليهم، أو بحسب مكة والمدينة اللتين وقع فيهما التشريع.

ثم أعاد اللّه تأكيد الرخصة في الإفطار مرة ثانية، حتى لا يظن تعميم وجوب الصوم بعد قوله: فَلْيَصُمْهُ وبعد بيان مزايا الصوم وأهميته، لأن اللّه يريد في كل ما شرع من أحكام، ومنها رخصة الإفطار لذوي الأعذار، أن يحقق اليسر للناس ويدفع عنهم العسر.
وأمر أصحاب الأعذار في حالي المرض والسفر ونحوهما بالقضاء أو الفدية، لأنه يريد إكمال عدّة الشهر، ولنكبّر اللّه ونعظمه ونشكره على نعمه كلها، ومنها إعطاء كل من العزيمة والرخصة حقها.

فقه الحياة أو الأحكام:
اشتملت هذه الآيات على أحكام كثيرة، أبيّنها بإيجاز:
1- للصوم فضل عظيم وثواب جسيم، ويكفي في فضله أن اللّه خصه بالإضافة إليه، كما
جاء في الحديث القدسي الذي يخبر به النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن ربّه:
«يقول اللّه تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به»
، وتخصيص الصوم بأنه له، مع أن العبادات كلها له، لأمرين ذكرهما القرطبي:
أحدهما- أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها، ما لا يمنع منه سائر العبادات.
الثاني- أن الصوم سرّ بين العبد وبين ربّه، لا يظهر إلا له، فصار مختصا به، وما سواه من العبادات ظاهر قد يدخله الرياء.
2- الصوم يعدّ النفس للتقوى، لقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فهو سبب تقوى اللّه، لأنه يميت الشهوات، ولأنه كما
قال عليه الصلاة والسلام: «الصيام جنّة ووجاء» .
3- يجوز للمريض والمسافر الإفطار في رمضان، ويجب عليهما القضاء في وقت آخر. والمرض المبيح للفطر في رأي أكثر الفقهاء: هو الذي يؤدي إلى ضرر في النفس، أو زيادة في العلة. والعبرة في ذلك بما يغلب على الظنّ. وهذا الضابط هو الذي يتفق مع حكمة الرخصة في الآية: وهي إرادة اليسر ودفع العسر. وظاهر اللفظ: اعتبار مطلق المرض، بحيث يطلق عليه اسم المرض، وإلى ذلك ذهب ابن سيرين وعطاء والبخاري.

وأما السفر المبيح للفطر: فهو الذي يبيح قصر الصلاة الرباعية، وقدره في رأي الجمهور ستة عشر فرسخا أو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية، أو مسيرة يومين معتدلين أو مرحلتين بسير الأثقال ودبيب الأقدام، والبحر كالبر. ودليلهم ما رواه الشافعي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: «يا أهل مكة، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان» وقدروها بحوالي 89 كم.
وقدر السفر الذي يبيح الترخيص عند الحنفية: هو قدر ثلاث مراحل أو أربع وعشرين فرسخا، أو مسيرة ثلاثة أيام سيرا وسطا، وهو سير الإبل، والأقدام في البر، وسير السفن الشراعية في البحر، ويكتفون بسير معظم اليوم، وقدروه ب 96 كم. واحتجوا
بقوله عليه الصلاة والسلام: «يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن»

ولا يكون كذلك حتى تكون مدة السفر ثلاثة أيام، لأن الشرع جعل علة امتداد مدة المسح إلى الثلاثة: السفر، والرخص لا تعلم إلا من الشرع. وأيضا ورد عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم اعتبار الثلاثة الأيام سفرا، وذلك
في حديث ابن عمر عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنه نهى عن أن تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم»
وهو حديث متفق عليه، فيرجح على أخبار رواها أبو سعيد وأبو هريرة مفادها منع المرأة من السفر يومين.
وذهب أكثر الفقهاء إلى أن الإفطار رخصة، فإن شاء صام، وإن شاء أفطر، لأن في الآية إضمارا تقديره: فمن كان منكم مريضا أو على سفر، فأفطر، فعليه عدة من أيام أخر. و روى أبو داود في سننه عن عائشة: أن حمزة الأسلمي سأل النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه، هل أصوم على السفر؟ فقال: «صم إن شئت، وأفطر إن شئت» .
وقد ثبت عن جماعة من الصحابة (ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد اللّه، وأبي الدرداء، وسلمة) عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه صام في السفر، وصام الصحابة مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عام الفتح في رمضان، ثم إنه قال لهم: «إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» .

وقال بعض الصحابة (ابن عباس وابن عمر) : الواجب على المسافر والمريض الفطر، وصيام عدة من أيام أخر، لظاهر
قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس من البر الصيام في السفر»، وردّ الجمهور بأن هذا كلام خرج على حال مخصوصة، وذلك ما
رواه شعبة من طريق جابر بن عبد اللّه عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه رأى رجلا يظلل عليه، والزحام عليه شديد، فقال: «ليس من البرّ الصيام في السفر» ، فمن سمع وذكر الحديث، ذكره مع سببه، وبعضهم اقتصر على ذكر الحديث.
وقرر أكثر الأئمة: أن الصوم للمسافر أفضل لمن قوي عليه، لقوله تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ أي أن صومكم أيها المرضى والمسافرون والذين يطيقونه خير لكم من الفدية، لما فيه من مجاهدة النفس وقوة الإيمان ومراقبة اللّه. وذهب أحمد والأوزاعي وجماعة إلى أن الفطر أفضل، لقول اللّه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.

واتفق العلماء على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر، لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية، بخلاف المقيم، وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض، والمقيم لا يفتقر إلى عمل، لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين.
ولا خلاف بينهم أيضا في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج.
واتفقوا على أن المسافر سفر الطاعة كالحج والجهاد وصلة الرحم وطلب المعاش الضروري وسفر التجارات والمباحات: له الإفطار. وأما سفر العاصي فيجوز له الإفطار عند الحنفية، لأن السفر نفسه ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، فلا يؤثر على رخصة القصر، ولأنه قد يتوب إذا تذكر نعمة اللّه عليه بالسماح له بالفطر والقصر وغيرهما.
وقال الجمهور غير الحنفية: لا تباح الرخص المختصة بالسفر من القصر والجمع والفطر ونحوها، لما في الرخصة من الإعانة على المحرم، والشرع نهى عن ذلك.

4- دل قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ على أن المريض أو المسافر واجبه الأصلي الصوم، ويرخص له في الفطر، فإذا أفطر فليقض أياما مكان الأيام التي أفطر فيها، وهذا رأي الجمهور، لأن معنى الآية: من كان منكم مريضا أو مسافرا، فأفطر، فعليه صيام أيام أخر، بعد ما أفطر. وإذا صام أهل البلد تسعة وعشرين، وفي البلد رجل مريض لم يصح، فإنه يقضي تسعة وعشرين يوما.
ويستحب في رأي الجمهور ولا يجب تتابع أيام القضاء، لأن آية فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مطلقة، لم تخص متفرقة من متتابعة، وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر. وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: نزلت «فعدة من أيام أخر متتابعات» فسقطت: «متتابعات» .
ودلت هذه الآية أيضا على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان، لأن اللفظ إذا شمل الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض.
فإن جاء رمضان آخر ولم يقض، لزمه في رأي الجمهور كفارة: وهي أن يطعم لكل يوم مسكينا. وقال أبو حنيفة: لا كفارة عليه، عملا بظاهر الآية:

فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. ودليل الجمهور ما رواه الدارقطني بإسناد صحيح عن أبي هريرة فيمن فرّط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر، قال: «يصوم هذا مع الناس، ويصوم الذي فرّط فيه، ويطعم لكل يوم مسكينا» .
5- من أفطر متعمدا أو جامع في نهار رمضان وجب عليه عند الحنفية والمالكية خلافا لغيرهم الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة عند الجمهور، ولو غير مؤمنة عند الحنفية، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينا. ولا كفارة بالإفطار أو الجماع في قضاء رمضان.

والجمهور على أن من أفطر في رمضان لعلة، فمات من علته تلك، أو سافر، فمات في سفره ذلك: أنه لا شيء عليه.
ومن مات وعليه صوم من رمضان لم يقضه عنه أحد: قال مالك والشافعي وأبو حنيفة: لا يصوم أحد عن أحد، لقوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام 6/ 164] وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم 53/ 39] وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها [الأنعام 6/ 164] ، ولما خرجه النسائي عن ابن عباس عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة» .

وقال أحمد: يستحب للولي أن يصوم عن الميت إذا مات بعد إمكان القضاء، لأنه أحوط لبراءة ذمة الميت، ويصوم عنه أيضا إذا كان الصوم نذرا، لما رواه مسلم عن عائشة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من مات، وعليه صيام، صام عنه وليه»
وهذا عام في الصوم، يخصصه ما رواه مسلم أيضا عن ابن عباس، قال: جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه، إن أمي قد ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال: «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه، أكان يؤدي ذلك عنها؟» قالت: نعم، قال: «فصومي عن أمك» .

6- ثبت بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس أن آية وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ليست بمنسوخة، وأنها محكمة في حق من لا يقدر على الصيام، وفيه ضرر، كالشيخ الفاني والشيخة الفانية، وعليهم الفدية: طعام مسكين.
فالناس على ثلاث أحوال: الأصحاء المقيمون، ويلزمهم الصوم عينا في رمضان، والمرضى والمسافرون، ولهم الفطر إن أرادوا، وعليهم إن أفطروا أيام أخر، وقوم لا يقدرون على الصوم، وفيه ضرر، فهؤلاء يفدون.
والراجح أن هذه الآية تتناول الحامل والمرضع، سئل الحسن البصري عن الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسهما أو ولدهما، فقال: أي مرض أشد من الحمل؟ تفطر وتقضي.
وأجمع العلماء على أن الواجب على الشيخ الهرم الفدية ومثله المريض الذي لا يرجى برؤه، أما الحامل والمرضع، فعليهما القضاء دون الفدية عند الحنفية، والفدية والقضاء عند الشافعية والحنابلة إن خافتا على ولدهما فقط، والفدية والقضاء على المرضع فقط، لا الحامل عند المالكية.
ومقدار الفدية عند أبي حنيفة: نصف صاع (مدان) من برّ، أو صاع من غيره كالتمر أو الشعير، ومد من الطعام من غالب قوت البلد عن كل يوم عند الجمهور. ومن تطوع بالزيادة على مسكين أو في مقدار الفدية على المسكين، أو بالصيام مع الفدية، فهو خير له. والمد 675 غم، والصاع 2751 غم.

7- دل قوله تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ على أن الصيام في السفر والمرض غير الشاق وغير ذلك خير، والأولى حمله على العموم، لعموم اللفظ كما قال الفخر الرازي، وهو يقتضي الحض على الصوم مطلقا، كما قال القرطبي.
8- امتاز رمضان باختصاصه بالصوم فيه من بين الشهور، لأنه أنزل فيه القرآن، أي ابتدأ إنزاله في رمضان، ولا منافاة بين إنزاله في رمضان، وإنزاله في ليلة القدر والليلة المباركة، لأن هذه الليلة في رمضان.
والقرآن: اسم لكلام اللّه المنزل على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وهو مشتق من القراءة، وهو بمعنى المقروء، فهو مصدر: قرأ قراءة وقرآنا، فأطلق المصدر وأريد به اسم المفعول، كما في قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء 17/ 78] أو مشتق من القرآن، لأن آياته قد قرن بعضها ببعض.

9- فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ: هناك قولان في مفعول شَهِدَ.
أحدهما- أن مفعول شَهِدَ محذوف، والمعنى: فمن شهد البلد في الشهر، أي لم يكن مسافرا، ويكون الشهر منصوبا على الظرفية.
والثاني- أن مفعول شَهِدَ هو الشهر، والتقدير: فمن شهد الشهر وشاهده بعقله وبمعرفته، فليصمه، هذا .. مع ملاحظة أن خطابات اللّه جميعا تتوجه إلى المكلفين، فتكون الآية مخصوصة بمن يتأتى تكليفهم. أما الوجه الأول فيعتمد على تقدير محذوف أي إضمار، والمقرر في الأصول: إذا تعارض التخصيص والإضمار، تعين المصير إلى التخصيص.
ويرى الجمهور أن الآية عامة في المكلفين، وهي تشمل المسافر والمقيم، غير أن المسافر يترخص بالفطر كالمريض، وعليهما عدة من أيام أخر.

ويرى الجمهور أيضا أن شهود أي جزء من أجزاء الشهر يكفي في وجوب الصوم، إلا أن الحنفية رأوا أن صوم جميع الشهر يجب بشهود أي جزء منه، ويرى الشافعية أن شهود أي جزء موجب لصوم ذلك الجزء.
أما من جنّ في رمضان، فقال المالكية: إنه يقضي ما مضى، ولو جن سنين. وقال غيرهم: إنه لا قضاء عليه لما مضى، كالصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم. ومن أفاق في بعض الشهر يصوم في الأصح لدى الشافعية والحنابلة ما شهد فقط، ولا قضاء عليه لغيره.
وأما الصبي يبلغ، والكافر يسلم في بعض رمضان، فقال الجمهور غير الحنابلة: إنهما يصومان ما بقي، وليس عليهما قضاء ما مضى، ولا اليوم الذي حصل فيه البلوغ والإسلام. وقال الحنابلة في الأصح: يلزمهما قضاء اليوم الذي حدث فيه البلوغ والإسلام. وبه يعلم أن فرض الصوم مستحق بالإسلام والبلوغ والعلم بالشهر.

وشهود الشهر: يكون برؤية الهلال أو بالعلم أنه قد رئي، ولا عبرة بالحساب وعلم النجوم في رأي الجمهور (منهم أئمة المذاهب الأربعة) ، لما رواه ابن عمر أنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الشهر تسع وعشرون، ولا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له»، أي فأكملوا المقدار،بدليل حديث أبي هريرة عند النسائي: «فأكملوا العدة» . وهذا موافق لظاهر قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، قُلْ: هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة 2/ 189] .
وأجاز بعضهم الاعتماد على المراصد والحساب عند ثبوت إفادتها العلم القطعي بهذه المواقيت، ولو مع المحافظة على رؤية الهلال في حال عدم المانع من رؤيته، للجمع بين ظاهر النص والمراد منه، تحقيقا لاتفاق الأمة في عبادتها، وإبعادها عن الخلاف، ما أمكن الاتفاق وسيلة ومقصدا، لأن العلم مقدم على الظن، فلا يعمل بالظن مع إمكان العلم، فمن أمكنه رؤية الكعبة لا يجوز له أن يجتهد في التوجه إليها، ويعمل بظنه الذي يؤديه إليه الاجتهاد .

وأفتى علماء السعودية في صفر 1409 هـ بجواز الاعتماد على مكبرات الرؤية في المراصد.
10- هل يثبت هلال رمضان بشهادة واحد أو شاهدين؟ للعلماء رأيان:
قال مالك: لا يقبل فيه شهادة الواحد، لأنها شهادة على هلال، فلا يقبل فيها أقل من اثنين، كالشهادة على هلال شوال وذي الحجة.
وقال الجمهور: يقبل قول الواحد العدل، لما روى أبو داود عن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه.

وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة، ولا تقبل عند المالكية والشافعية.
11- من رأى هلال رمضان وحده أو هلال شوال: قال الشافعي: من رأى هلال رمضان وحده فليصمه، ومن رأى هلال شوال وحده فليفطر، وليخف ذلك. وقال مالك وأحمد: الذي يرى هلال رمضان وحده يصوم، لأنه لا ينبغي له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من شهر رمضان. ومن رأى هلال شوال وحده فلا يفطر، لأن الناس يتّهمون من يفطر منهم بأنه ليس مأمونا، ثم يقول أولئك إذا ظهر أمرهم: قد رأينا الهلال. وإذا لم ير الهلال بسبب كسوف الشمس مثلا، كما حدث في رمضان عام 1404 هـ، وصام بعض الناس ثمانية وعشرين يوما، بسبب رؤية هلال شوال، وجب قضاء يوم، إكمالا لعدة الشهر، وهو 29 يوما على الأقل.
12- اختلاف المطالع: قال الجمهور: إذا رئي الهلال في بلد وجب على أهل البلاد الأخرى الصيام، سواء قربت البلاد أو بعدت، توحيدا للصوم بين المسلمين، ولا عبرة باختلاف المطالع. وقال الشافعية: إن قرب البلد فالحكم واحد، وإن بعد فلأهل كل بلد رؤيتهم، والمسافة بين القريب والبعيد في الأصح لديهم بحسب مسافة القصر (89 كم) . ومثل هذا الرأي لم يعد مقبولا.

13- لا اعتبار برؤية هلال شوال يوم الثلاثين من رمضان نهارا، بل هو لليلة التي تأتي، وهو الصحيح.

14- دل قوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ على الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل، فهذه الآية دليل على مشروعية التكبير في عيد الفطر. ولفظ التكبير عند مالك وجماعة من العلماء: اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، ثلاثا. ومن العلماء: من يكبّر ويهلّل ويسبح أثناء التكبير، ومنهم من يقول: اللّه أكبر كبيرا، والحمد للّه كثيرا، وسبحان اللّه بكرة وأصيلا.
وأما وقت التكبير ومدته: فقال أبو حنيفة ومالك: يندب التكبير في عيد الفطر بالخروج من داره إلى المصلى، فإذا انقضت الصلاة، انقضى العيد. وقال الشافعي وأحمد: يندب التكبير في أي وقت عقب الصلاة وفي أي زمن من غروب شمس ليلة العيد إلى أداء صلاة العيد، أي من رؤية الهلال إلى خروج الإمام للصلاة.

15- ما يفطّر الصائم وما لا يفطره: يفطر الصائم بالأكل والشرب والجماع عمدا بالنص والإجماع، ويفطر أيضا بالدواء، والقيء عمدا، والاستمناء (إخراج المني بغير جماع) ، وإنزال الماء إلى الجوف أثناء المبالغة في المضمضة والاستنشاق، وتناول الدخان المعروف «التبغ» ، وابتلاع النخامة في رأي الشافعية، وتناول أي شيء مادي يصل إلى الجوف عمدا، سواء أكان مغذيا أم غير مغذ.
ولا يفطر الصائم بالفصد اتفاقا، كما لا يفطر عند الجمهور بالأكل ونحوه ناسيا، ويفطر عند المالكية.
ولا يفسد الصوم بالقطرة أو بالحجامة، أو بالحقنة، أو بالاكتحال في العين في رأي الحنفية والشافعية، ويفطّر الاكتحال بكحل يتحقق معه وصوله إلى الحلق في رأي الحنابلة والمالكية، وكذا تفطر الحجامة عندهم إذا ظهر دم.
ولا يفسد الصوم بالسواك والمضمضة والاستنشاق من غير مبالغة، ولا بالاغتسال والسباحة. ويفطر عند المالكية بوصول ماء المضمضة والاستنشاق والسواك ولو سهوا أو خطا ولو من غير مبالغة.
ولا يفطر إذا غلبه القيء ولم يبتلع منه شيئا، ولا بخلع الضرس ما لم يبتلع شيئا من الدم أو الدواء. ولا بحقنة في إحليل الرجل في رأي الحنفية والمالكية، وأما في إحليل المرأة فيفطر عند الحنفية، وتفطر الحقنة مطلقا عند الشافعية.
ولا يفطر بإنزال المذي عند الحنفية والشافعية، ويفطر به عند المالكية والحنابلة في حال التقبيل أو المباشرة فيما دون الفرج.
وأما المجامع ناسيا ففيه أقوال ثلاثة:

أحدها- لا قضاء عليه ولا كفارة، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين.
والثاني- عليه القضاء بلا كفارة، وهو قول مالك.
والثالث- عليه الأمران وهو المشهور عن أحمد.
وتجب الكفارة بالجماع عمدا في نهار رمضان باتفاق الفقهاء، وكذا بالأكل والشرب عمدا عند الحنفية والمالكية، ويجب الإمساك بقية النهار. ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان في رأي أكثر العلماء.
وتتداخل الكفارة، فلا تجب إلا واحدة بتكرر الإفطار في أيام عند الحنفية، وتتعدد الكفارة بتعدد الإفطار في أيام مختلفة في رأي الجمهور.
واختلف العلماء فيما يجب على المرأة التي يطؤها زوجها في شهر رمضان:

فقال المالكية والحنفية والحنابلة: عليها مثل ما على الزوج إن مكنته طائعة، ولا كفارة عليها إن كانت مكرهة. وقال الشافعي: ليس عليها كفارة، وعليها القضاء فقط، سواء طاوعته أو أكرهها.
ولا كفارة على من أمنى بالنظر أو التفكير عند الجمهور، وعليه الكفارة عند الحنابلة، ولا يفسد صومه أيضا عند الحنفية.